تعيش الحياة السياسية في لبنان تفلتا لا حدود له، فتخرج عن المعايير الدستورية والقانونية الى محاولة لي اعناق هذه المعايير وتزويرها، والى جعل ممارسة اللعبة الديموقراطية لعبة لا قواعد لها ولاضوابط أخلاقية أوسياسية تقيدها، بل تسعى أطراف سياسية متعددة الى نشر وتعميم مفاهيم مغلوطة واجتهادات مسمومة تشوه ثقافة شرائح وازنة من المجتمع اللبناني وأجياله الشابة، وتسعى الى ترسيخ تشوه مستدام سواءا في الثقافة والمعايير السياسية، أوفي اداء المؤسسات والسلطات الشرعية اللبنانية، فتفتك بما تبقى من هياكل الدولة وأنظمتها القانونية، كما تتستبيح مرافقها العامة واملاكها وشواطئها ومجالها العام وثرواتها الوطنية ومواردها المالية.
نتج عن كل ذلك، تسليم مستهجن وممجوج باستمرار ممارسة السلطة والحكم، من خارج مؤسسات دستورية افرغت من مضمونها وبقيت شكلا خاويا، وسوّغ استسهال تجاوز القوانين، كل القوانين واستباحتها، بحيث أصبح الاحتكام الى القانون دليل ضعف ووهن اعترى من يلجأ اليه، في وقت يلجأ الأقوياء الى العنف وممارسته على الأخصام لفظيا او فعليا، وحلّ تمجيد القوة والادعاء بامتلاكها، عناوين الأدبيات السياسية، بديلا للتسليم الطوعي بقوة القانون والدولة والسعي لاحقاق الحق والعدالة، وتم تفريغ المفردات من محتواها ومعانيها فتسمت الحصص زورا بالحقوق، وأصبحت المحاسيب والحاشيات تختصر الجماعات والطوائف، فيما اعتمد الاستزلام والتزلف سلما للترقي الاجتماعي، وبديلا للكفاءة والخبرة
الأزمة الفكرية السياسية تلك، المتمثلة باجتياح ثقافة شريعة القوة مساحات شريعة الحق والخير والمصلحة العامة، تدفع شرائح واسعة من شعبنا للكفر بالسياسة والسياسيين وادارة الظهر، لقضايا الشأن العام، والعيش في ظل الخوف والاحباط تارة او التزلف والاستزلام تارة أخرى أوالبحث عن باب للهجرة والرحيل في كل الاحوال.
البحث عن وطن لا الهجرة منه يبدأ بتأسيسه، وتأسيس وطن يمر بداية بقيام دولته، والدولة تقوم على دستور وقوانين ترعى مؤساساته ومرافقه وحياة أبنائه، والحياة هذه تستمر وتتطوربعقد اجتماعي يتجدد حسب كل وقت وتبدل حال.
اتفاق الطائف كان محطة تأسيسية لادامة وطن وحفظه معافى لجميع أبنائه، وهو عقد قانوني التزم به اللبنانيون فاخرجهم من حروبهم وحماقاتهم، وحدد بعد أن أصبح دستورا شرعيا، هوية لبنان ودوره الاقليمي، كما أرسى توازنا وطنيا يضمن شروطا عادلة للمشاركة في السلطة لكل فئاته، ورسم طريقا متدرجة للانتقال الى دولة مدنية حديثة تعتمد المواطنة، حقوقا وواجبات، كاساس لعلاقة كل لبناني بدولته.
الطائف خيار ومسار، خيارالعيش المشترك ومسار اللبنانيين نحو دولة حديثة، وهو يستكمل ويتطور كورشة تثاقف دائمة تنظم افكار اللبنانيين وتنظم حواراتهم، الورشة التي نشرع البدء بها هي المساهمة باعادة السياسة الى قياس المعايير الدستورية، والدولة الى سيادة القانون فيها، وبتمكين شباب اليوم والامس والغد من بناء مستقبلهم والحلم بوطن يليق بان يكون رسالة وأن يكونوا هم رواد هذه الرسالة.
"مرصد الطائف" دورية فكرية تعنى باعلاء سلطة المعايير والدفاع عن التقاليد الديموقراطية وترصد وتراقب عمل وخطاب رجال الحكم والسياسة وتقيسها على ميزان الالتزام بنصوص الدستور وروحية القوانين ومقاصدها، وتساهم بالحوار السياسي والحياة العامة من موقع المساهمة في اغناء مقومات العيش المشترك بين اللبنانيين، وتطوير الدولة نحو الحداثة وسيادة الحق واعلاء شأن العدالة بمضامينها الواسعة المختلفة.